قريتي جميلة في وسط حقول وبساتين كأنها جزيرة في بحر أخضر، لا ترى فيها إلا خضرة وماء، فالأرض خضراء، والحقول خضراء، والدنيا كلها خضراء في قريتي. ويجري من تحت القرية نهر ماؤه يقع شفاف، لأنه يجري على الرمل، نتسلى في هذا النهر ونسبح ونلعب ونشرب من مائه النقي، وترى السمك يجري من هنا وهناك، وترى الصدف في قعر النهر لأن الماء يقع شفاف. وقد تعلمنا السباحة ونحن صغار، فإذا كانت أيام المطر فاض النهر، وكان عرضه كبيرا عبرتنا هذا النهر وتسابقنا في السباحة.
وأرى كثيرا من أهل البلد لا يعرفون السباحة وهم كبار، ويخافون الماء جدا، ولا يدخلون النهر.
جاء مرة صديق لي من البلد ودخلنا النهر وقلنا له: تعال
يا أخي اغتسل واسبح، فقال: إني أخاف الماء ولا أعرف السباحة، فشجعناه وقلنا: لا تخف ونحن معك، فتشجع ودخل الماء، وأراد أن يسبح، ولكن ذهب إلى القعر، فأخذناه بيده ورفعناه، فخرج وقد شرب الماء.
وكان يغتسل معنا كل يوم، ويتعلم السباحة حتى تعلمها، وعبر النهر، فتشجع وعبر مرتين.
وإذا نزلت أمطار كثيرة، وفاض النهر، أصبحت قريتنا شبه جزيرة، يحيط بها الماء من ثلاث جهات، وتبقى جهة واحدة نذهب منها إلى البلد ونشتري الحوائج من السوق.
وفي سنة كان فيضان عظيم، فاض الماء ودخل البيوت، وخاف الناس الغرق، وتركنا قريتنا وذهبنا إلى البلد، ولم نرجع إلا بعد شهر.
ويترّبى في قريتي كثير من الناس والعلماء، لأنها قرية مشهورة، وُلد فيها كثير من العلماء والصالحين.
وعلى شاطئ النهر مسجد قديم، بناه جدّنا الكبير، مضى عليه ثلاثمائة سنة، ويدخل فيه الماء في كل فيضان، ويمكث فيه الماء أيامًا طويلة، ولكنه لم يضعف.
٢٠- قَرْيَتِي
قَرْيَتِي جَمِيلَةٌ فِي وَسَطِ حُقُولٍ وَبَسَاتِينَ كَأَنَّهَا جَزِيرَةٌ فِي بَحْرٍ أَخْضَرَ، لَا تَرَى فِيهَا إِلَّا خُضْرَةً وَمَاءً، فَالْأَرْضُ خَضْرَاءُ، وَالْحُقُولُ خَضْرَاءُ، وَالدُّنْيَا كُلُّهَا خَضْرَاءُ فِي قَرْيَتِي. وَيَجْرِي مِنْ تَحْتِ الْقَرْيَةِ نَهْرٌ مَاؤُهُ نَقِيٌّ شَفَّافٌ، لِأَنَّهُ يَجْرِي عَلَى الرَّمْلِ، نَتَسَلَّى فِي هَذَا النَّهْرِ وَنَسْبَحُ وَنَلْعَبُ وَنَشْرَبُ مِنْ مَائِهِ النَّقِيِّ، وَتَرَى السَّمَكَ يَجْرِي مِنْ هُنَا وَهُنَاكَ، وَتَرَى الصَّدَفَ فِي قَعْرِ النَّهْرِ لِأَنَّ الْمَاءَ نَقِيٌّ شَفَّافٌ. وَقَدْ تَعَلَّمْنَا السِّبَاحَةَ وَنَحْنُ صِغَارٌ، فَإِذَا كَانَتْ أَيَّامُ الْمَطَرِ فَاضَ النَّهْرُ، وَكَانَ عَرْضُهُ كَبِيرًا عَبَرْنَا هَذَا النَّهْرَ وَتَسَابَقْنَا فِي السِّبَاحَةِ.
وَأَرَى كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَا يَعْرِفُونَ السِّبَاحَةَ وَهُمْ كِبَارٌ، وَيَخَافُونَ الْمَاءَ جِدًّا، وَلَا يَدْخُلُونَ النَّهْرَ.
جَاءَ مَرَّةً صَدِيقٌ لِي مِنَ الْبَلَدِ وَدَخَلْنَا النَّهْرَ وَقُلْنَا لَهُ: تَعَالَ
يَا أَخِي اِغْتَسِلْ وَاسْبَحْ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ المَاءَ وَلَا أَعْرِفُ السِّبَاحَةَ، فَشَجَّعْنَاهُ وَقُلْنَا: لَا تَخَفْ وَنَحْنُ مَعَكَ، فَتَشَجَّعَ وَدَخَلَ المَاءَ وَأَرَادَ أَنْ يَسْبَحَ، وَلَكِنْ ذَهَبَ إِلَى القَعْرِ، فَأَخَذْنَاهُ بِيَدِهِ وَرَفَعْنَاهُ، فَخَرَجَ وَقَدْ شَرِبَ المَاءَ.
وَكَانَ يَغْتَسِلُ مَعَنَا كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتَعَلَّمُ السِّبَاحَةَ حَتَّىٰ تَعَلَّمَهَا، وَعَبَرَ النَّهْرَ، فَتَشَجَّعَ وَعَبَرَ مَرَّتَيْنِ.
وَإِذَا نَزَلَتْ أَمْطَارٌ كَثِيرَةٌ، وَفَاضَ النَّهْرُ، أَصْبَحَتْ قَرْيَتُنَا شِبْهَ جَزِيرَةٍ يُحِيطُ بِهَا المَاءُ مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ، وَتَبْقَىٰ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ نَذْهَبُ مِنْهَا إِلَىٰ البَلَدِ وَنَشْتَرِي الحَوَائِجَ مِنَ السُّوقِ.
وَفِي سَنَةٍ كَانَ فَيْضَانٌ عَظِيمٌ، فَاضَ المَاءُ وَدَخَلَ البُيُوتَ، وَخَافَ النَّاسُ الغَرَقَ، وَتَرَكْنَا قَرْيَتَنَا وَذَهَبْنَا إِلَىٰ البَلَدِ، وَلَمْ نَرْجِعْ إِلَّا بَعْدَ شَهْرٍ.
وَيَتَرَبَّىٰ فِي قَرْيَتِي كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَالعُلَمَاءِ، لِأَنَّهَا قَرْيَةٌ مَشْهُورَةٌ، وُلِدَ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ العُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ.
وَعَلَىٰ شَاطِئِ النَّهْرِ مَسْجِدٌ قَدِيمٌ، بَنَاهُ جَدُّنَا الكَبِيرُ، مَضَىٰ عَلَيْهِ ثَلَاثُمِائَةِ سَنَةٍ، وَيَدْخُلُ فِيهِ المَاءُ فِي كُلِّ فَيْضَانٍ، وَيَمْكُثُ فِيهِ المَاءُ أَيَّامًا طَوِيلَةً، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَضْعُفْ.