الرئيسية

المتجر

الدورة

المقالة

٢- قبل البعثة

مكة وقريش

قصد سيدنا إبراهيم مكة ، وهي في واد محصور بين جبال جرداء ليس فيه ما يعيش عليه الناس ، من ماء وزرع وميرة ، ومعه زوجه هاجر وولده إسماعيل ، فراراً من الوثنية المنتشرة في العالم ، ورغبة في تأسيس مركز يعبد فيه الله وحده ويدعو الناس إليه ويكون مناراً للهدى ومثابة للناس .

تقبل الله هذا العمل ، وبارك في هذا المكان ، وأجرى الله الماء لهذه الأسرة المباركة الصغيرة المؤلفة من أم وابن – وقد تركهما إبراهيم في هذا المكان القاحل المنعزل عن العالم – وكان بئر «زمزم» وبارك الله في هذا الماء فلا يزال الناس يشربون منه ويحملونه إلى أنحاء العالم .

ونشأ إسماعيل ، وأراد إبراهيم ذبح ابنه إسماعيل ، وهو غلام يسعى ، إيثاراً لحب الله تعالى على حبه ، وتحقيقا لما رآه في المنام ، واستسلم إسماعيل لهذا الأمر ، ورضي به ، وفداه الله بذبح عظيم ليكون عون أبيه في الدعوة إلى الله ، وليكون جد آخر نبي وأفضل رسول .

وعاد إبراهيم إلى مكة ، واشترك الأب والابن في بناء بيت الله ، وكان دعاؤهما أن يتقبل الله هذا البيت ، ويبارك فيه ، وأن يعيشا على الإسلام ، ويموتا عليه ، ولا ينقطع بموتهما ، وأن يبعث الله نبياً من ذريتهما يجدد دعوة جده إبراهيم ويُتم ما بدأه .

﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِـۧمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَـٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ ۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ﴿١٢٧﴾ رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةًۭ مُّسْلِمَةًۭ لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ ۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ﴿١٢٨﴾ رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًۭا مِّنْهُمْ يَتْلُوا۟ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴿١٢٩﴾ [البقرة: ١٢٧، ١٢٩] .

وبارك الله في ذريتهما ، وتوسعت الأسرة ، وكثر أولاد عدنان ، وهو من أحفاد إسماعيل عليه السلام ، ونبغ في ذريته فهر بن مالك ، ومن أولاده قصي ابن كلاب ، وقد ولى البيت وأمر مكة ، وكان سيدًا مطاعا ، كانت إليه حجابة البيت ، وعنده مفاتيحه ، وسقاية زمزم ، والرفادة ، والندوة التي يجتمعون فيها للمشهورة والرأي ، واللواء في الحرب فحاز شرف مكة كله .

و تنبل في أولاده عبد مناف ، وكان هاشم أكبر أبناء والده عبد مناف وكان كبير قومه ، وكانت عنده الرفادة والسقاية ، وهو والد عبد المطلب : جد الرسول ﷺ ، وقد ولى السياقة والرفادة بعد عمه المطلب بن عبد مناف ، وشرف في قومه شرفا لم يبلغه أحد من آبائه ، وأحبه قومه .

وسمي أولاد فهو بن مالك «قريشاً» ، وغلب هذا الاسم على جميع الأسماء فاشتهرت هذه القبيلة بـ «قريش» وأقر أهل العرب كلهم بعلو نسب قريش ، والسيادة ، وفصاحة اللغة ، ونصاعة البيان وكرم الأخلاق ، والشجاعة ، وصار ذلك مثلا ، لا يقبل نقاشاً ولا جدلا .

ظهور الوثنية في مكة وقريش

وبقيت قريش متمسكة بدين إبراهيم الخليل ، وبدين جدها إسماعيل ، متمسكة بعقيدة التوحيد ، وبعبادة الله وحده ، حتى نشأ فيهم عمرو بن لحي ، فكان أول من غير دين إسماعيل ، فنصب الأوثان ، وأحدث في الحيوانات من التعظيم والتسييب والتحريم مالم يأذن به الله ، ولم تعرفه شريعة إبراهيم ، وكان قد خرج من مكة إلى الشام ، فرأى أهلها يعبدون الأصنام ، ففتن بها ، وجلب بعضها إلى مكة ، فنصبها ، وأمر الناس بعبادتها وتعظيمها .

وتدرج بعضهم من تعظيم حجارة الحرم التي كانوا يحملونها معهم إذا ظعنوا من مكة تعظيماً للحرم ، ومحافظة على ذكراه ، إلى أن صاروا يعبدون ما استحسنوا من الحجارة وأعجبهم .

حادثة الفيل

ووقع حادث عظيم ، كان دليلا على ظهور حادث أكبر ، وعلى أن الله يريد بالعرب خيراً ، وأن للكعبة شأناً ليس لغيرها من بيوت الدنيا .

وكان من خبره أن أبرهة الأشرم عامل النجاشي [ملك الحبشة] على اليمن بنی ب «صنعاء» كنيسة عظيمة ، سماها «القُلّيس» ، وأراد أن يصرف إليها حج العرب وغار على الكعبة أن تكون مثابة للناس ، يشدون إليها الرحال ، ويأتون إليها من كل فج عميق وأراد أن تكون هذه المكانة لكنيسته .

وعز ذلك على العرب الذين رضعوا بلبان حب الكعبة وتعظيمها لا يعدلون بها بيتا ، ولا يرون عنها بديلا ، وشغلهم ذلك ، وتحدثوا به ، فخرج كناني ، ودخل الكنيسة وأحدث فيها ، فغضب عند ذلك أبرهة وحلف ليسيرن إلى البيت حتى يهدمه .

ثم سار وخرج معه بالفيل ، وتسامعت به العرب ، فنزل عليهم كالصاعقة ، وأعظموه وفزعوا له ، وأرادوا كفه عن ذلك ومحاربته ، فرأوا أن لا طاقة لهم بأبرهة وجنوده ، فوكلوا الأمر إلى الله تعالى ، وكانوا على ثقة بأن للبيت رباً سیحميه ، يدل على ذلك ما دار بين سيد قريش – عبد المطلب ، جد الرسول ﷺ – وأبرهة ، من حوار ، وقد أصاب له أبرهة مأتى بعير ، فاستؤذن له عليه ، وقد أعظمه أبرهة ، ونزل له عن سريره ، فأجلسه معه ، وسأله عن حاجته ، فقال : حاجتي أن يرد على الملك مأتى بعير أصابها لي .

فلما قال له ذلك ، زهد فيه الملك واستهان به ، وقال : أتكلمني في مأتى بعير أصبتها لك ، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك ، قد جئت لهدمه ، لا تكلمني فيه ؟ .

قال له عبد المطلب : إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربا سيمنعه .

قال : ما كان ليمنع منى .

قال : أنت وذاك .

وانحازت قريش إلى شعف الجبال والشعاب ، تخوفاً عليهم من معرة الجيش ، ينظرون ماذا سيصنع الله بمن اعتدى على حرمته ، وقام عبد المطلب ومعه نفر من قريش ، فأخذوا بحلقة باب الكعبة ، يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنوده .

وأصبح أبرهة متهيئا لدخول مكة ، وهو مجمع لهدم البيت ، وهيأ فيله ، وكان اسم الفيل «محمودا» وبرك الفيل في طريق مكة ، وضربوا الفيل ليقوم ، فأبي ، ووجهوه راجعاً إلى اليمين فقام يهرول .

هناك أرسل الله تعالى عليهم طيراً من البحر ، مع كل طائر منها أحجار يحملها ، لا تصيب منه أحداً إلا هلك ، وخرج أهل الحبشة هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاؤوا ، وخرجوا يتساقطون بكل طريق ، وأصيب أبرهة في جسده ، وخرجوا به معهم ، تسقط أنامله أنملة أنملة ، حتى قدموا به «صنعاء» فمات شر ميتة .

وذلك ما حكاه القرآن يقول : ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَـٰبِ ٱلْفِيلِ ﴿١﴾ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِى تَضْلِيلٍ ﴿٢﴾ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ﴿٣﴾ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍۢ مِّن سِجِّيلٍ ﴿٤﴾ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍۢ مَّأْكُولٍۭ ﴿٥﴾ [الفيل : ١،٥] .

فلما رد الله الحبشة من مكة ، وأصابهم ما أصاب ، أعظمت العرب قريشا ، وقالوا : هم أهل الله ، قاتل الله عنهم . وكفاهم العدو .

واستعظم العرب هذا الحادث ، وكان جديراً بذلك ، فأرخوا به ، وقالوا : وقع هذا في عام الفيل ، وولد فلان في عام الفيل ، ووقع هذا بعد عام الفيل بكذا من السنين ، وعام الفيل يصادف سنة ٥٧٠م .

عبد الله وآمنة

وكان لعبد المطلب – سيد قريش – عشرة أبناء ، وعبد الله واسطة العقد ، وزوجه أبوه «آمنة» بنت وهب سيد بني زهرة ، وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعاً .

ولم يلبث عبد الله أن مات – وأم رسول الله ﷺ – حامل به ـ وقد رأت من الآثار والآيات ما يدل أن لابنها شأناً .

ولادته الكريمة ونسبه الزكي :

وولد رسول الله ﷺ ، يوم الاثنين ، اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول ، عام الفيل ( ٥٧٠ المسيحي ) ، فكان أسعد يوم طلعت فيه الشمس .

وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن کلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضير بن كنانة ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن معد بن عدنان ، وينتهي نسب عدنان إلى سيدنا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام .

فلما وضعته أمه أرسلت إلى جده : عبد المطلب أنه قد ولد لك غلام ، فآتاه ، فنظر إليه ، وحمله ، ودخل به الكعبة ، وقام يدعو الله ، ويحمده ، وسماه محمدا ، وكان هذا الاسم غريباً ، فتعجب منه العرب .

رضاعته ﷺ :

والتمس عبد المطلب لحفيده اليتيم ، الذي كان أحب أولاده إليه مرضعاً من البادية على عادة العرب ، وأدركت حليمةَ السعديّةَ هذه السعادةُ ، وكانت خرجت من بلدها تلتمس الرضعاء وكان العام عام جدب ، وهم في ضيق وشدة ، وعرض رسول الله ﷺ على جميع المراضع فزهدن فيه ؛ وذلك لأنهن كن يرجون المعروف من أبي الصبي ، يتيم وما عسى أن تصنع أمه وجده؟.

وهكذا فعلت حليمة ، فانصرفت عنه أول مرة ، ثم انعطف قلبها عليه ، وألهمها الله حبه ، وأخْذَه ، ولم تكن وجدت غيره ، فرجعت إليه فأخذته ، وذهبت به إلى رحلها ولمست البركة بيدها ، فكان لكل شيء في رحلها شأن غير الشأن ، ورأت البركة في اللبان والألبان ، والشارف والأتان ، وكل يقول : لقد أخذت يا حليمة نسمة مباركة ، وحسدتها صواحبها.

ولم تزل تتعرف من الله الزيادة والخير ، حتى مضت سنتان في بني سعد ، وفصلته ، وكان يشب شاباً لا يشبه الغلمان ، وقدمت به ﷺ ، على أمه ، وطلبت أن تتركه عندها بعض الوقت ، فردّته إليها.

وجاءه ملكان ، وهو في بني سعد ، فشقا بطنه ، واستخرجا من قلبه علقة سوداء ، فطرحاها ، ثم غسلا قلبه ، حتى أنقياه ، وردّاه كما كان.

ورعى رسول الله ﷺ الغنم مع إخوته من الرضاعة ، ونشأ على البساطة والفطرة ، وحياة البادية السليمة ، واللغة الفصيحة ، التي اشتهر بها بنو سعد ابن بكر ، وكان أليفاً ودودا ، أحبه أخوته وأحبهم.

ثم عاد إلى أمه وجده ، وقد أنبته الله نباتاً حسنا.

وفاة آمنة وعبد المطلب:

فلما بلغ ست سنين ، توفيت آمنة بـ (الأبواء) بين مكة والمدينة ، فكان مع جده ، وكان به حفيًّا ، يجلسه على فراشه في ظل الكعبة ويلاطفه.

فلما بلغ رسول ﷺ ثماني سنين مات عبد المطلب.

مع عمه أبي طالب:

فكان رسول الله ﷺ بعد عبد المطلب مع عمه أبي طالب ، وهو أخو عبد الله من أب وأم ، وكان عبد المطلب يوصيه به ، فكان إليه ومعه ، وكان أرفق به وأكثر حدباً عليه من أبنائه.

التربية الإلهية:

وشب رسول الله ﷺ محفوظاً من الله تعالى ، بعيداً من أقذار الجاهلية وعاداتها ، فكان أفضل قومه مروءة ، وأحسنهم خلقا ، وأشدهم حياء ، وأصدقهم حديثا ، وأبعدهم من الفحش والبذاءة ، حتى ما أسموه في قومه إلا «الأمين» وكان واصلا للرحم ، حاملا لما يثقل كواهل الناس ، مكرماً للضيف ، عوناً على البر والتقوى ، وكان يأكل من نتيجة عمله ، ويقنع بالقوت.

ولما بلغ رسول الله ﷺ أربع أو خمس عشرة سنة ، هاجت حرب الفجار بين قريش وبين قيس ، وشهد رسول الله ﷺ بعض أيامه ، وكان ينبل على أعمامه وبذلك عرف الحرب ، وعرف الفروسية والفتوة.

زواجه من خديجة:

ولما بلغ رسول الله ﷺ خمساً وعشرين سنة ، تزوج خديجة بنت خويلد وهي من سيدات قريش وفضليات النساء ، رجاحة عقل ، وكرم أخلاق ، وسعة مال ، وكانت أرملة ، توفي زوجها أبو هالة ، وكانت إذ ذاك في الأربعين من سنها ، ورسول الله ﷺ في الخامسة والعشرين من عمره.

وكانت خديجة امرأة تاجره تستأجر الرجال في مالها ، وتضاربهم بشيء تجعله لهم ، وكانت قريش قوماً تجارا ، وقد كانت اختبرت صدق حديث رسول الله ﷺ وكرم أخلاقة ، ونصيحته ، حين خرج في مال لها إلى الشام تاجرا ، وبلغها من كبر شأنه في هذه الرحلة ، فعرضت عليه نفسها ، وكانت قد رفضت طلب كثير من أشراف قريش ، وخطبها إليه عمه حمزة ، وخطب أبو طالب الخطبة ، فكان الزواج.

وكانت أول امرأة تزوجها رسول الله ﷺ ، وولدت له أولاده كلهم إلا إبراهيم.

قصة بنيان الكعبة ودرء فتنة عظيمة:

ولما بلغ رسول الله ﷺ خمساً وثلاثين سنة ، اجتمعت قريش لبنيان الكعبة ، وقد أرادوا ذلك ليسقفوها ، وكانت حجارة بعضها على بعض ، من غير طين يركب بعضها ببعض ، وكانت فوق القامة ، وكان لابد من هدم وبناء جديد.

فلما بلغ البنيان موضع الركن ، اختصموا في الحجر الأسود ، كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الآخر ، وكل قبيلة تريد أن يكون لها هذا الشرف ، حتى آل الأمر إلى الحرب ، وكانت في أهون من هذا بكثير في الجاهلية.

وأعدوا للقتال ، وقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما ، وتعاقدوا هم وبنو عدى على الموت ، وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم تلك الجفنة.

وكانت آية الموت والبشر ، ومكثت قريش على ذلك أياما ، ثم اتفقوا على أن أول من يدخل من باب المسجد يقضي بينهم ، فكان أول داخل عليهم رسول الله ﷺ فلما رأوه قالوا: هذا الأمين رضينا ، هذا محمد.

ودعا رسول الله ﷺ بثوب ، وأخذ الحجر ، ووضعه فيه بيده ، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ، ثم ارفعوه جميعا ، ففعلوا ، حتى إذا بلغوا به موضعه ، وضعه هو بيده ، ثم بنى عليه.

وهكذا درأ رسول الله ﷺ الحرب عن قريش ، بحكمة ليست فوقها حكمة.

حلف الفضول:

وشهد رسول الله ﷺ حلف الفضول ، وكان أكرم حلف سمع به ، وأشرفه في العرب ، وكانت سببه أن رجلا من زبيد قدم مكة ببضاعة ، فاشتراها منه العاص بن وائل أحد أشراف قريش ، فحبس عنه حقه ، فاستعدى عليه الزبيدي أشراف قريش ، فأبوا أن يعينوا على العاص بن وائل لمكانته ، وانتهروه ، واستغاث الزبيدى أهل مكة ، واستعان بكل ذوى مروءة.

وهاجت الغيرة في رجال من ذوى المروءة والفتوة ، فاجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان ، فصنع لهم طعاما ، وتعاقدوا ، وتعاهدوا بالله ، ليكونن يدا واحدة مع المظلوم على الظالم ، حتى يؤدي إليه حقه ، فسمت العرب ذلك الحلف «حلف الفضول» وقالوا: لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر ، ثم مشوا إلى العاص بن وائل ، فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه.

وكان رسول الله ﷺ مغتبطاً بهذا الحلف ، متمسكاً به ، حتى بعد البعثة يقول: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً لو دعيت به في الإسلام لأجبت ، تحالفوا أن يردوا الفضول على أهلها، وأن لا يعز ظالم مظلوما».

وكان من حكمة الله تعالى وتربيته أن نشأ رسول الله ﷺ أميا ، لا يقرأ ولا يكتب ، فكان أبعد عن تهمة الأعداء وظنة المغتربين ، وإلى ذلك أشار القرآن بقوله: ﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُوا۟ مِن قَبْلِهِۦ مِن كِتَـٰبٍۢ وَلَا تَخُطُّهُۥ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًۭا لَّٱرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ﴾ [العنكبوت : ٤٨]

وقد لقبه القرآن بالأمي فقال: ﴿ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِىَّ ٱلْأُمِّىَّ ٱلَّذِى يَجِدُونَهُۥ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ وَٱلْإِنجِيلِ﴾ [الأعراف: ١٥٧]