طلبت من أبي وأمي أن أصوم يوما من رمضان، فقال أبي: إنك صغير ضعيف لا تصبر على الجوع والعطش، وقالت أمي: هذه أيام صيف والصوم فيها شديد اصبر حتى تكون أيام شتاء.
ولكني بكيت وقلت: قد صام محمود وهو في سني، وقد صام إسماعيل وهو أصغر مني، ولماذا أنتظر أنا؟
وقد رأيت محمودا لما صام ليس لباسا جديدا وصنعت له أطعمة لذيذة وقدم له أقاربه هدايا وجوائز واجتمع ناس كثير، وكان محمود لا يسر، كل يتحدث معه ويقربه إليه.
وقد سمعت أن الولد الصغير إذا صام كان لوالديه الأجر والثواب، وأحب أن ينال أبي وأمي الأجر والثواب.
وقبل أبي ورضيت أمي، ودعت أمي أصدقائي وأترابي للسحور معي فباتوا في بيتي، وفي الساعة الرابعة في الليل استيقظنا وقدمت أمي طعاما لذيذا، فأكلنا وسئمنا ونمنا قليلا واستيقظنا لصلاة الصبح.
وفي النهار أرادت أمي أن تشغلني فلا أذكر الجوع والعطش، فأمرتني بأشغال ليس فيها تعب، وكنت في شغل وحديث مع الأصدقاء والأتراب، حتى انتصف النهار وما شعرت بجوع ولا عطش.
وفي الظهيرة شعرت ظمأ وحر، فاغتسلت فذهب عني الظمأ واسترحت.
وفي العصر شعرت بالجوع ورأيت أطعمة وتمارا وفواكه، وقال لي أحد الأصدقاء: لا بأس أن تأكل شيئا ولا يراك الآن أحد، وقد أكلت أيضا لما كنت صائما، فقلت: نعم! لا يراني هنا أحد ولكن الله يراني.
وسكت صديقي وصبرت على الجوع.
وقبل الغروب حضر أصدقاء أبي، وأقارينا وقبل الفطور إلى المسجد، وكان الوقت شديدا علي، فكنت أرمق المؤذن وأعد الدقائق، فلما أذن أفطرت بتمرة ثم أكلت وشربت وقلت كما علمني أبي:
«ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله».
وما أكلت طعاما ألذ من طعام ذلك اليوم، وما كان يوم أجمل في حياتي من ذلك اليوم.
١٢- الفُطُور
طَلَبْتُ مِنْ أَبِي وَأُمِّي أَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ أَبِي: إِنَّكَ صَغِيرٌ ضَعِيفٌ لَا تَصْبِرُ عَلَى الْجُوعِ وَالْعَطَشِ، وَقَالَتْ أُمِّي: هَذِهِ أَيَّامُ صَيْفٍ وَالصَّوْمُ فِيهَا شَدِيدٌ اصْبِرْ حَتَّى تَكُونَ أَيَّامُ شِتَاءٍ.
وَلَكِنِّي بَكَيْتُ وَقُلْتُ: قَدْ صَامَ مَحْمُودٌ وَهُوَ فِي سِنِّي، وَقَدْ صَامَ إِسْمَاعِيلُ وَهُوَ أَصْغَرُ مِنِّي، وَلِمَاذَا أَنْتَظِرُ أَنَا؟
وَقَدْ رَأَيْتُ مَحْمُودًا لَمَّا صَامَ لَيْسَ لِبَاسًا جَدِيدًا وَصَنَعَتْ لَهُ أَطْعِمَةً لَذِيذَةً وَقَدَّمَ لَهُ أَقَارِبُهُ هَدَايَا وَجَوَائِزَ وَاجْتَمَعَ نَاسٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ مَحْمُودٌ لَا يَسْرُ، كُلٌّ يَتَحَدَّثُ مَعَهُ وَيُقَرِّبُهُ إِلَيْهِ.
وَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ إِذَا صَامَ كَانَ لِوَالِدَيْهِ الْأَجْرُ وَالثَّوَابُ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ يَنَالَ أَبِي وَأُمِّي الْأَجْرَ وَالثَّوَابَ.
وَقَبِلَ أَبِي وَرَضِيَتْ أُمِّي، وَدَعَتْ أُمِّي أَصْدِقَائِي وَأَتْرَابِي لِلسُّحُورِ مَعِي فَبَاتُوا فِي بَيْتِي، وَفِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فِي اللَّيْلِ اسْتَيْقَظْنَا وَقَدَّمَتْ أُمِّي طَعَامًا لَذِيذًا، فَأَكَلْنَا وَسَئِمْنَا وَنِمْنَا قَلِيلًا وَاسْتَيْقَظْنَا لِصَلَاةِ الصُّبْحِ.
وَفِي النَّهَارِ أَرَادَتْ أُمِّي أَنْ تَشْغَلَنِي فَلَا أَذْكُرَ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ، فَأَمَرَتْنِي بِأَشْغَالٍ لَيْسَ فِيهَا تَعَبٌ، وَكُنْتُ فِي شُغْلٍ وَحَدِيثٍ مَعَ الْأَصْدِقَاءِ وَالْأَتْرَابِ، حَتَّى انْتَصَفَ النَّهَارُ وَمَا شَعَرْتُ بِجُوعٍ وَلَا عَطَشٍ.
وَفِي الظُّهْرَةِ شَعَرْتُ ظَمَأً وَحَرًّا، فَاغْتَسَلْتُ فَذَهَبَ عَنِّي الظَّمَأُ وَاسْتَرَحْتُ.
وَفِي الْعَصْرِ شَعَرْتُ بِالْجُوعِ وَرَأَيْتُ أَطْعِمَةً وَتَمَارًا وَفَوَاكِهَ، وَقَالَ لِي أَحَدُ الْأَصْدِقَاءِ: لَا بَأْسَ أَنْ تَأْكُلَ شَيْئًا وَلَا يَرَاكَ الْآنَ أَحَدٌ، وَقَدْ أَكَلْتَ أَيْضًا لَمَّا كُنْتَ صَائِمًا، فَقُلْتُ: نَعَمْ! لَا يَرَانِي هُنَا أَحَدٌ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَرَانِي.
وَسَكَتَ صَدِيقِي وَصَبَرْتُ عَلَى الْجُوعِ.
وَقَبْلَ الْغُرُوبِ حَضَرَ أَصْدِقَاءُ أَبِي، وَأَقَارِبُنَا وَقَبْلَ الْفُطُورِ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَكَانَ الْوَقْتُ شَدِيدًا عَلَيَّ، فَكُنْتُ أَرْمُقُ الْمُؤَذِّنَ وَأَعُدُّ الدَّقَائِقَ، فَلَمَّا أَذَّنَ أَفْطَرْتُ بِتَمْرَةٍ ثُمَّ أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ وَقُلْتُ كَمَا عَلَّمَنِي أَبِي:
«ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ العُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ».
وَمَا أَكَلْتُ طَعَامًا أَلَذَّ مِنْ طَعَامِ ذَلِكَ اليَوْمِ، وَمَا كَانَ يَوْمٌ أَجْمَلَ فِي حَيَاتِي مِنْ ذَلِكَ اليَوْمِ.