الرئيسية

المتجر

الدورة

المقالة

٢٣- جزاء الوالدين

ولدت صغيرا ضعيفا لا أقدر على عمل، لا آكل بنفسي ولا أشرب بنفسي، ولا أتكلم ولا أفهم، فحنت علي أمي وأرضعتني ونسيت نفسها لنفسي، وهجرت راحتها لراحتي.

فكم سهرت الليالي، وكم تعبت في النهار، وكنت لها شغلا وحديثا، وإذا مرضت طار عنها النوم، وما ذاقت طعاما ولا شرابا، وإذا سكت اهتمت وقالت: ما بالك يا بني؟ ماذا أسكتك؟ لماذا لا تتكلم، أتشكو وجعا أو أغضبك أحد؟ وإذا بكيت جاءت تجري، وفي الليل تتكلم معي وتضاحكني.

ولما دخلت في السنة الخامسة كانت تتحدث معي في الليل، وقد عرفت الله ورسوله في حديثها، وسمعت قصصا كثيرة، سمعت منها وأنا على فراشي قصة إبراهيم، وكيف ألقي في النار، فصارت بردا وسلاما، وكيف نشأ موسى في قصر فرعون، وسمعت قصة رسول الله ﷺ وقصة حليمة السعدية وقصصًا جميلة، وحفظت آية الكرسي والآيات الأخيرة من سورة البقرة وأدعية كثيرة، فكنت عالم الأطفال.

وكان أبي يحبني كثيرا، وكنت أصغر إخوتي، أبيت معه وآكل معه، وإذا جاء من سفر اشترى لي هدية جميلة، وكان الناس يحيونني ويقبلونني إنهم لمكاني من أبي، وقد قرأت على أبي أيضًا، فهو لي أب ومعلم.

وكان يوصي أمي أن تكسوني يوم العيد لباسا جديدا، وإذا مرضت أو سقطت من مكان أو أصابني ضر أو ألم جاءتها الهموم طار نومها، وسهرت الليل هما وحزنا.

كيف أجازي هذه النعم؟ هل يمكن أن أجازيهما بمال؟ كلا! فأنا ومالي لوالدي، نعم! أنا أخدمهما بالمال والبدن، بل أصل أصدقاءهما وأقاربهما بالبر والمعروف، ولكنّي سأدعو لهما، وأقول دائمًا في دعائي: “رب ارحمهما كما ربياني صغيرا”.

وسأجتهد إن شاء الله أن يتغطى بي يوم القيامة أمام الناس وأمام الآباء والأمهات ويظلهما أصحاب الأولاد، ويقولون: يا ليت لنا من الأولاد مثل ما أوتي فلان، إنه لسعيد.

وسأجتهد أن أعمل عملًا ينادي بي يوم القيامة على رؤوس الأشهاد فيقول الناس من هو؟ فيقال ابن فلان وفلانة، فيغتبط والداي وينعم بالي.

وقد سمعت أن الولد إذا حفظ القرآن يتوج والداه يوم القيامة، فسأجتهد في حفظ القرآن ليتوج والداي يوم القيامة.

وقد سمعت أن الشهيد يشفع لسبعين من أهل بيته، ولعل الله يرزقني الشهادة، فأشفع لوالدي قبل الناس، وبذلك أجازي بعض نعمهما.

٢٣- جَزَاءُ الْوَالِدَيْنِ

وُلِدْتُ صَغِيرًا ضَعِيفًا لَا أَقْدِرُ عَلَى عَمَلٍ، لَا آكُلُ بِنَفْسِي وَلَا أَشْرَبُ بِنَفْسِي، وَلَا أَتَكَلَّمُ وَلَا أَفْهَمُ، فَحَنَّتْ عَلَيَّ أُمِّي وَأَرْضَعَتْنِي وَنَسِيَتْ نَفْسَهَا لِنَفْسِي، وَهَجَرَتْ رَاحَتَهَا لِرَاحَتِي.

فَكَمْ سَهِرَتِ اللَّيَالِي، وَكَمْ تَعِبَتْ فِي النَّهَارِ، وَكُنْتُ لَهَا شُغْلًا وَحَدِيثًا، وَإِذَا مَرِضْتُ طَارَ عَنْهَا النَّوْمُ، وَمَا ذَاقَتْ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا، وَإِذَا سَكَتُّ اهْتَمَّتْ وَقَالَتْ: مَا بَالُكَ يَا بُنَيَّ؟ مَاذَا أَسْكَتَكَ؟ لِمَاذَا لَا تَتَكَلَّمُ؟ أَتَشْكُو وَجَعًا، أَوْ أَغْضَبَكَ أَحَدٌ؟ وَإِذَا بَكَيْتُ جَاءَتْ تَجْرِي، وَفِي اللَّيْلِ تَتَكَلَّمُ مَعِي وَتُضَاحِكُنِي.

وَلَمَّا دَخَلْتُ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ كَانَتْ تَتَحَدَّثُ مَعِي فِي اللَّيْلِ، وَقَدْ عَرَفْتُ اللهَ وَرَسُولَهُ فِي حَدِيثِهَا، وَسَمِعْتُ قِصَصًا كَثِيرَةً، سَمِعْتُ مِنْهَا وَأَنَا عَلَى فِرَاشِي قِصَّةَ إِبْرَاهِيمَ، وَكَيْفَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، فَصَارَتْ بَرْدًا وَسَلَامًا، وَكَيْفَ نَشَأَ مُوسَى فِي قَصْرِ فِرْعَوْنَ، وَسَمِعْتُ قِصَّةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَقِصَّةَ حَلِيمَةَ السَّعْدِيَّةِ وَقِصَصًا جَمِيلَةً، وَحَفِظْتُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَالْآيَاتِ الْأَخِيرَةَ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَأَدْعِيَةً كَثِيرَةً، فَكُنْتُ عَالِمَ الْأَطْفَالِ.

وَكَانَ أَبِي يُحِبُّنِي كَثِيرًا، وَكُنْتُ أَصْغَرَ إِخْوَتِي، أَبِيتُ مَعَهُ وَآكُلُ مَعَهُ، وَإِذَا جَاءَ مِنْ سَفَرٍ اشْتَرَى لِي هَدِيَّةً جَمِيلَةً، وَكَانَ النَّاسُ يُحَيُّونَنِي وَيُقَبِّلُونَنِي لِمَكَانِيَ مِنْ أَبِي، وَقَدْ قَرَأْتُ عَلَى أَبِي أَيْضًا، فَهُوَ لِي أَبٌ وَمُعَلِّمٌ.

وَكَانَ يُوْصِي أُمِّي أَنْ تَكْسُونِي يَوْمَ الْعِيدِ لِبَاسًا جَدِيدًا، وَإِذَا مَرِضْتُ أَوْ سَقَطْتُ مِنْ مَكَانٍ أَوْ أَصَابَنِي ضُرٌّ أَوْ أَلَمٌ جَاءَتْهَا الْهُمُومُ، طَارَ نَوْمُهَا، وَسَهِرَتِ اللَّيْلَ هَمًّا وَحُزْنًا.

كَيْفَ أُجَازِي هَذِهِ النِّعَمَ؟ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ أُجَازِيَهُمَا بِمَالٍ؟ كَلَّا! فَأَنَا وَمَالِي لِوَالِدَيَّ، نَعَمْ! أَنَا أَخْدِمُهُمَا بِالْمَالِ وَالْبَدَنِ، بَلْ أَصِلُ أَصْدِقَاءَهُمَا وَأَقَارِبَهُمَا بِالْبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ، وَلَكِنِّي سَأَدْعُو لَهُمَا، وَأَقُولُ دَائِمًا فِي دُعَائِي: “رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا.”

وَسَأَجْتَهِدُ إِنْ شَاءَ اللهُ أَنْ يَتَغَطَّى بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمَامَ النَّاسِ وَأَمَامَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَيُظِلَّهُمَا أَصْحَابُ الْأَوْلَادِ، وَيَقُولُونَ: يَا لَيْتَ لَنَا مِنَ الْأَوْلَادِ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ، إِنَّهُ لَسَعِيدٌ.

وَسَأَجْتَهِدُ أَنْ أَعْمَلَ عَمَلًا يُنَادَى بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُؤُوسِ الْأَشْهَادِ، فَيَقُولُ النَّاسُ: مَنْ هُوَ؟ فَيُقَالُ: ابْنُ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ، فَيَغْتَبِطُ وَالِدَايَ وَيَنْعَمُ بَالِي.”

وَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّ الْوَلَدَ إِذَا حَفِظَ الْقُرْآنَ يُتَوَّجُ وَالِدَاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَسَأَجْتَهِدُ فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ لِيُتَوَّجَ وَالِدَايَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

وَقَدْ سَمِعْتُ أَنَّ الشَّهِيدَ يَشْفَعُ لِسَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ يَرْزُقُنِي الشَّهَادَةَ، فَأَشْفَعَ لِوَالِدَيَّ قَبْلَ النَّاسِ، وَبِذَلِكَ أُجَازِي بَعْضَ نِعَمِهِمَا.