لما بلغت السابعة من عمري أمرني أبي بالصلاة ، وكنت تعلمت كثيرا من الأدعية وحفظت سورا من القرآن الكريم من أمي ، وكانت أمي تتكلم معي عند المنام فتقص علي قصص الأنبياء ، وكنت أسمع هذه القصص بنشاط ورغبة.
وبدأت أذهب مع أبي إلى المسجد ، وأقوم في صف الأطفال خلف صف الرجال ، ولما بلغت العاشرة من عمري قال لي مرة: قد أكملت الآن من عمرك تسع سنين ، والآن أنت ابن عشر سنين فإذا تركت صلاة ضربتك ، لأن النبي ﷺ قال مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر.
وقص علي أبي قصص الأطفال الذين حافظوا على الصلاة في الصغر ، وكان لهم شأن في الكبر.
قلت: يا أبي! إنك لا تحتاج إلى أن تضربني وسأحافظ على الصلوات ، وكذلك فعلت ، فقد كنت أصلي أينما كنت ، كنت إذا ذهبت إلى السوق أو كنت في شغل وأدركتني الصلاة في مكان صليت ، لأني أرى الناس لا يخجلون من الأكل إذا جاعوا ، واللعب إذا أرادوا ، فلماذا أخجل من الصلاة؟ وإن الصلاة لفريضة ، وإن الصلاة لشرف للمسلم.
وخرجت مرة إلى مباراة وكان الزحام شديدا ، وأدركتني صلاة العصر وكنت على وضوء ، فقمت أصلي وجعل الناس ينظرون إلي ويتعجبون ، وأكملت صلاتي بسكينة واعتدال ورجعت إلى المباراة.
ولما انتهت المباراة جاء إلي رجل وسألني عن اسمي واسم والدي ، وسألني عن سني فأخبرته ، فأثنى على أبي خيرا ، ودعا لي بالبركة ، وقال: ما رأيت ولدا يصلي في المباراة ويترك كثير من الناس الصلاة في هذا الوقت ، فحمدت الله وشكرت أبي.
ولا أترك الصلاة إذا كنت مسافرا وأرى كثيرا من الناس يصلون في الحضر ويتركون الصلاة في السفر ، ويصلون في الصحة ولا يصلون في المرض ، مع أن الصلاة لا تسقط عن أحد.
٢- لَمَّا بَلَغْتُ السَّابِعَةَ مِنْ عُمْرِي
لَمَّا بَلَغْتُ السَّابِعَةَ مِنْ عُمْرِي أَمَرَنِي أَبِي بِالصَّلَاةِ، وَكُنْتُ تَعَلَّمْتُ كَثِيرًا مِنَ الْأَدْعِيَةِ وَحَفِظْتُ سُوَرًا مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ مِنْ أُمِّي، وَكَانَتْ أُمِّي تَتَكَلَّمُ مَعِي كُلَّ لَيْلَةٍ عِنْدَ الْمَنَامِ فَتَقُصُّ عَلَيَّ قِصَصَ الْأَنْبِيَاءِ وَكُنْتُ أَسْمَعُ هَذِهِ الْقِصَصَ بِنَشَاطٍ وَرَغْبَةٍ.
وَبَدَأْتُ أَذْهَبُ مَعَ أَبِي إِلَى الْمَسْجِدِ، وَأَقُومُ فِي صَفِّ الْأَطْفَالِ خَلْفَ صَفِّ الرِّجَالِ، وَلَمَّا بَلَغْتُ الْعَاشِرَةَ مِنْ عُمْرِي قَالَ لِي مَرَّةً: قَدْ أَكْمَلْتَ الْآنَ مِنْ عُمْرِكَ تِسْعَ سِنِينَ، وَالْآنَ أَنْتَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ، فَإِذَا تَرَكْتَ صَلَاةً ضَرَبْتُكَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ”.
وَقَصَّ عَلَيَّ أَبِي قِصَصَ الْأَطْفَالِ الَّذِينَ حَافَظُوا عَلَى الصَّلَاةِ فِي الصِّغَرِ، وَكَانَ لَهُمْ شَأْنٌ فِي الْكِبَرِ.
قُلْتُ: يَا أَبِي! إِنَّكَ لَا تَحْتَاجُ إِلَى أَنْ تَضْرِبَنِي، وَسَأُحَافِظُ عَلَى الصَّلَوَاتِ، وَكَذَلِكَ فَعَلْتُ، فَقَدْ كُنْتُ أُصَلِّي أَيْنَمَا كُنْتُ، كُنْتُ إِذَا ذَهَبْتُ إِلَى السُّوقِ أَوْ كُنْتُ فِي شُغْلٍ وَأَدْرَكْتْنِي الصَّلَاةُ فِي مَكَانٍ صَلَّيْتُ، لِأَنِّي أَرَى النَّاسَ لَا يَنْشَغِلُونَ مِنَ الْأَكْلِ إِذَا جَاعُوا، وَاللَّعِبِ إِذَا أَرَادُوا، فَلِمَاذَا أَخْجَلُ مِنَ الصَّلَاةِ؟ وَإِنَّ الصَّلَاةَ لَفَرِيضَةٌ، وَإِنَّ الصَّلَاةَ لِشَرَفٌ لِلْمُسْلِمِ.
وَخَرَجْتُ مَرَّةً إِلَى مُبَارَاةٍ، وَكَانَ الزِّحَامُ شَدِيدًا، وَأَدْرَكْتْنِي صَلَاةُ الْعَصْرِ وَكُنْتُ عَلَى وُضُوءٍ، فَقُمْتُ أُصَلِّي وَجَعَلَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيَّ وَيَتَعَجَّبُونَ، وَأَكْمَلْتُ صَلَاتِي بِسَكِينَةٍ وَاعْتِدَالٍ وَرَجَعْتُ إِلَى الْمُبَارَاةِ.
وَلَمَّا انْتَهَتِ الْمُبَارَاةُ جَاءَ إِلَيَّ رَجُلٌ وَسَأَلَنِي عَنْ اسْمِي وَاسْمِ وَالِدِي، وَسَأَلَنِي عَنْ سِنِّي فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَثْنَى عَلَى أَبِي خَيْرًا، وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، وَقَالَ: مَا رَأَيْتُ وَلَدًا يُصَلِّي فِي الْمُبَارَاةِ وَيَتْرُكُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ، فَحَمِدْتُ اللَّهَ وَشَكَرْتُ أَبِي.
وَلَا أَتْرُكُ الصَّلَاةَ إِذَا كُنْتُ مُسَافِرًا، وَأَرَى كَيْفَ أَنَّ النَّاسَ يُصَلُّونَ فِي الْحَضَرِ وَيَتْرُكُونَ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ، وَيُصَلُّونَ فِي الصِّحَّةِ وَلَا يُصَلُّونَ فِي الْمَرَضِ، مَعَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَسْقُطُ عَنْ أَحَدٍ.
وَأَرَى كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَا يُصَلُّونَ بِاعْتِدَالٍ وَسَكِينَةٍ وَيُسْرِعُونَ كَثِيرًا، وَلَا أَذْكُرُ أَنِّي تَرَكْتُ صَلَاةً فِي هَذِهِ السَّنَوَاتِ الْأَرْبَعِ، وَإِذَا نِمْتُ عَنْهَا أَوْ نَسِيتُهَا صَلَّيْتُهَا إِذَا تَذَكَّرْتُ.
وَإِنِّي أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّوْفِيقَ وَالثَّبَاتَ.