وصرفت نظري من الغرب إلى الشرق ، فرأيت دولة قوية واسعه ، قاعدتها «نيسابور» تحكم «خراسان» و«العراق» و«إيران» ، ويتحكم ملوكها في «بغداد» وينصبون ويعزلون ، ويغزو ملكها ألب أرسلان الأفرنج في ديارهم ، ويأسر ملكهم النصراني ، ويضرب عليهم الجزية ، وقد بلغت هذه الدولة أوجها في عهد ملك شاه ، ووزيره الفاضل نظام الملك الطوسي ، فرأيت المدرسة النظامية في «بغداد» عامرة آهلة ، يدرس فيها مثل الإمام أبي حامد الغزالي ، وتنفق عليها الدولة السلجوقية ، ورأيت شقيقتها المدرسة النظامية في «نيسابور» يدرس فيها مثل إمام الحرمين الجويني ، فقرت بذلك عيناي ، ودعوت للدولة السلجوقية ، وملكها ، ووزيرها.
وما لبثت أن رأيت الأفرنج يحملون الصلبان ، ويغيرون على البلاد الإسلامية ، ورأيتهم من كل حدب ينسلون ، وقد جن جنونهم ، حتى سافر ألوف من الأطفال والغلمان من بلاد الإفرنج ليفتحوا القدس ، وقد غرق أكثرهم في الطريق ، وماتوا ، ورأيت ملوك أوروبا قد تحالفوا على ذلك ، وتدفقت من أوروبا جنود من الصليبيين حتى أخذوا القدس ، ووضعوا في المسلمين السيف ، حتى سالت بدمائهم سكك مدينة القدس ، وزلقت فيها الخيل ، وأخذوا أكثر مدن «سورية» و«فلسطين» وهددوا مصر والعراق ، وطمعوا في الحجاز ، وبلغت بهم الجراءة والوقاحة أن حلف منهم أمير على إهانة الجسد الطاهر الدفين في المدينة ، عليه ألف ألف سلام.
رأيت كل ذلك ، والتفت إلى الدولة السلجوقية في «نيسابور» وقلت: أين ملوكها الذين كانوا يغزون الأفرنج ، ويهزمون مرة بعد أخرى ، فإذا هي قد انقرضت سنة (٥٣٢-ه) والتفت إلى المسلمين فرأيتهم في اهو ولعب ، وفي غزو ونهب ، بأسهم بينهم شديد.