٨٢- الإمام أبو حامد الغزالي

ولد أبو حامد محمد الغزالي بطوس سنة (٤٥٠ه‍) وكان والده يغزل الصوف ، ويبيعه في دكانه بطوس ، وكان فقيرا صالحا ، لا يأكل إلا من كسب يده ، ويطوف علي المتفقهة ، ويجالسهم ، وينفق عليهم بما يمكنه ، وكان إذا سمع كلامهم بكى ، وتضرع ، وسأل الله أن يرزقه ابنا فقيها واعظا ، فاستجاب الله دعوته ، ولما حضرته الوفاة وصى به ، وبأخيه أحمد إلى صديق له من أهل الخير ، فلما مات أقبل الرجل على تعليمهما إلى أن فني ذلك الذي كان خلفه لهما أبوهما ، فقال لهما: اعلما أني قد أنفقت عليكما ما كان لكما ، وأنا رجل فقير لا مال لي ، فأرى أن تلجأا إلى مدرسة ، فإنكما من طلبة العلم ، فيحصل لكما قوت يعينكما على وقتكما ، ففعلا ذلك ، وكان هو السبب في سعادتهما ، وعلو درجتهما.

قرأ الغزالي في صباه طرفا من الفقه ببلده على أحمد بن محمد الراذكاني ، ثم سافر إلى جرجان إلى الإمام أبي نصر الإسماعيلي ، وعلق عنه التعليقة ، ثم رجع إلى طوس ، قال الغزالي: قطعت علينا الطريق ، وأخذ العيارون جميع ما معي ، ومضوا ، فتبعتهم فالتفت إلي مقدمهم ، وقال: ارجع ويحك ، وإلا هلكت ، فقلت له: أسألك بالذي ترجو السلامة منه أن ترد علي تعليقتي فقط ، فما هي بشيء تنتفعون به ، فقال لي: وما هي تعليقتك؟ فقلت: كتب في تلك المخلاة ، هاجرت لسماعها ، وكتابتها ، ومعرفة علمها ، فضحك وقال: كيف تدعي أنك عرفت علمها وقد أخذناها منك ، فتجردت من معرفتها ، وبقيت بلا علم؟! ثم أمر بعض أصحابه فسلم إلي المخلاة. قال الغزالي: هذا مستنطق أنطقه الله ليرشدني به في أمري ، فلما وافيت طوس أقبلت على الاشتغال ثلاث سنين ، حتى حفظت جميع ما علقته ، وصرت بحيث لو قطع علي الطريق لم أتجرد عن علمي.

وقدم الغزالي «نيسابور» ولازم إمام الحرمين ، وجد ، واجتهد حتى برع في المذهب ، والخلاف ، والجدل ، والأصلين ، والمنطق ، وقرأ الحكمة ، والفلسفة ، وأحكم كل ذلك ، وفهم كلام أرباب هذه العلوم ، وتصدى للرد عليهم ، وإبطال دعاويهم ، وصنف في كل فن من هذه العلوم كتبا جليلة.

أضف تعليق